الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. logo    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
shape
الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
117039 مشاهدة print word pdf
line-top
تنقيح السلف للعقيدة

ولكن فطن لهم الخليفة المهدي رحمه الله، فقتل منهم خلقا كثيرًا، فكل من اتهم بأنه زنديق منكر للخلق والخالق أو يذهب مذاهب الفلاسفة في إنكار بدء الخلق وإعادته، ويدعي أن الأمر مسند إلى الطبائع ونحو ذلك؛ أخذه وقتله، ولم يكن يستتيبهم لعلمه أنهم منافقون يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، وأنهم أظهروا الإسلام وقصدوا من إظهاره إفساد العقائد، حتى يثق الناس بهم ويأخذوا منهم، فإذا أخذوا منهم أعطوهم ما يريدون من التشكيك، ومن الارتباك في أمر العقيدة، حتى يزعزعوا عقيدة الكثير من الناس، هذا هو السبب في فشو هذا المذهب الشيوعي.
ذكر المترجمون للمهدي أنه أحضر أحدهم لما ثبت عنده أنه زنديق وحكم بقتله، فقال ذلك الزنديق: كيف تفعل بأربعة آلاف حديث كذبتها وبثثتها في المسلمين، فقال المهدي تعيش لها نقادها، أي: إن الله - تعالى - قد قيَّض لها علماء ينقحون الأحاديث ويبينون زيفها، ويظهرون ما هو مكذوب ودخيل على السنة، يعني أمثال الأئمة الذين كتبوا في الأحاديث، وبينوا عللها، وبينوا المكذوب منها والموضوع والصحيح والضعيف.
وبكل حال فهذا الوقت انتشر فيه هذا المذهب الشيوعي الخبيث بسبب تعريب هذه الكتب، ومن أثر انتشارها كثرة الخوض في علوم جديدة سماها السلف رحمهم الله (علم الكلام)، هكذا أطلقوا عليه، وقصدوا به العلم الذي يخوض في الأمور الخفية؛ في الجواهر والأعراض والأبعاض، والافتراضات، وما أشبه ذلك.
وهذا الكلام هو الذي شغل كثيرا من أهل القرون المتأخرة، بحيث إنهم كرسوا جهودهم في هذا الكلام، وأخذوا يفترضون افتراضات؛ إن كان كذا، فماذا يكون كذا؟، وما هو جوابه، حتى ملئوا صدور الناس بمالا فائدة فيه، وملئوا الكتب بما لا أهمية له، فكان ذلك مما حمل العلماء على التحذير من علم الكلام، كقول الشافعي رحمه الله: حُكمي في أهل الكلام أن يُضربوا بالجريد، ويُطاف بهم في العشائر، ويقال: هذا جزاء من ترك القرآن، وأقبل على الكلام ، وغيره كثير من الذين حذروا من علم الكلام.
ومع الأسف فقد انتشر علم الكلام هذا في كتب الأشاعرة، وفي كتب المعتزلة؛ فحشدوا الكثير منه في كتب التفسير، وفي كتب العقائد، وفي كتب الأصول وما أشبهها، وافترضوا افتراضات لا دليل عليها.
فإذن لا شك أن هذا مما حمل السلف - رحمهم الله - على أن ينقحوا العقيدة، لما رأوا في القرن الثاني وفي القرن الثالث وما بعده تغير الناس في باب الاعتقاد، لم يكن بدٌّ من أن يكتبوا في ذلك، ويقرروا، ويُبدوا ويعيدوا، ويظهروا المذهب الصحيح والعقيدة السلفية السليمة ويبينوها علنًا، حتى لا يقع في خلافها من قصده الحق.

فكُتب السلف في العقيدة كثيرة وشهيرة: منها ما سمي بكتاب الإيمان، متقدمًا ومتأخرًا ومختصرًا ومبسوطًا مثل ( كتاب الإيمان ) لابن أبي شيبة و( كتاب الإيمان ) لأبي عبيد القاسم بن سلام و( كتاب الإيمان ) لابن منده في ثلاثة أجزاء وكلها مطبوعة.
ومنها ما سموه بكُتب السنة؛ كـ( السُّنة ) للإمام أحمد و( السُّنة ) لابنه عبد الله و( السُّنة ) للخلال و( السُّنة ) لابن أبي عاصم وغيرها.
ومنها ما سموه بالتوحيد كـ( كتاب التوحيد ) لابن خزيمة و( التوحيد ) لابن منده .
ومنها ما سمي بأسماء أخرى ، كـ( الرد على الجهمية والزنادقة فيما شكوا فيه من متشابه القرآن ) للإمام أحمد و( الرد على الجهمية ) لعثمان بن سعيد الدارمي و( الرد على بشر المريسي ) للدارمي أيضاً، ومنها ما له أسماء خاصة كـ( الشريعة ) للآجري، و( الإبانة ) لابن بطة ؛ الإبانة الصغرى، والإبانة الكبرى، و( شرح اعتقاد أهل السنة ) الذي هو من أوسعها للالكائي
هذه كتب ضمنها مؤلفوها العقيدة، وأرادوا بذلك أن يخلصوا أمر المعتقد حتى لا تضمحل عقيدة أهل السنة.
ومع كثرة هذه الكتب مما ذكرنا، وغيرها كثير، لما انقضى القرن الثالث آخر القرون المفضلة أميتت هذه الكتب مع الأسف، وأصبحت مخزونة لا يعترف بها ولا تُقرأ، ولا تُدرَّس إلا نادرًا وبصفة خفية، وتمكن مذهب الأشاعرة ومذهب المعتزلة أيما تمكن، وانتشر الإكباب عليه، وكثرت الدروس والكتب التي تؤلف فيما يتعلق بهذه العقائد؛ عقيدة الأشعرية وعقيدة المعتزلة، وكادت السُّنة وكُتبها أن لا يكون لها ذكر، بل كاد مذهب الإمام أحمد أن يضمحل، ولم يبق أحد عليه إلا قلة.
وفي آخر القرن الرابع وأول القرن الخامس بدأ يظهر مذهب الإمام بسبب القاضي أبي يعلى رحمه الله، فإنه لما اعتنق هذا المذهب وتولى القضاء، وكان عالمًا جليلا، وكان من أبرز أهل زمانه، ولم يوجد للقضاء من يتولاه مثله أظهر هذا المذهب.
ومع ذلك فإنه هو وأساتذته الذين قرأ عليهم في بعض الكلام قد تأثروا بشُبَه المتكلمين، ولكن لما كان على مذهب الإمام أحمد لم يرد ما روى عنه، فألف رسالة فيما يتعلق بصفة العلو وأملاها على تلامذته، ولما كتبها وأملاها أقيمت عليه الدنيا، وأنكر عليه أهل زمانه، وقالوا: القاضي أبو يعلى ممثلٌ، القاضي مشبه، وكادوا يسعون في إبعاده وعزله، فاعتذر أنه إنما نقل كلام غيره، والرد لا يكون عليه بل يكون على غيره، على الذين نقل عنهم؛ وأما هو فإنه ناقل.

line-bottom